Thursday, July 20, 2017

حياة التظاهر والاستهلاك في مواقع التواصل الاجتماعي.

الخميس 20 يوليوز 2017 
 اليوم #1: "سبع سنوات تدوين
هذه التدوينة تدخل ضمن مشروع #التدوين_اليومي احتفالاً بالذكرى السابعة لتأسيس هذه المدونة " الكتابة في الظلام". أقوم به لأول مرة على الاطلاق. 
أتمنى أن تقضوا وقتاً رائعاً بمدونتي. وقت مليء بالمتعة والافادة. 
شكراً على القراءة.
تحياتي، 
زكرياء ياسين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



   مواقع التواصل الاجتماعي فرضت نفسها بقوة في عصرنا والسبب الأساس كونها تتأسس على التواصل والتفاعل بين المستعملين الذين ينتمون لمختلف بقاع هذا الكوكب؛ بحيث دون تفاعل متبادل لن يكون لها وجود، لأنها ليست مثل المدونات، المنتديات أو المواقع الأخرى ولهذا أصبحت لها شعبية مذهلة. مثلاً موقع الفيسبوك الذي انطلق سنة 2004 تجاوز عدد مستعمليه 2 مليار شخص هذا العام وأصحاب هذه المواقع الذي كانوا قبل سنوات مراهقين شباب تركوا جامعاتهم وأصبحوا اليوم رجال ونساء أعمال ومن أغنياء العالم.

    السبب الثاني لهذه الشهرة في اعتقادي هو أنها حررت حرية التعبير بحيث أصبح بامكان أي شخص لا منبر له ولا يوجد من يتكلم باسمه في البرلمان أو يمثله في وسائل الاعلام بعمل صفحة شخصية له يتكلم فيها باسمه ويمثل نفسه بنفسه وهذا بالنسبة لي عمل ثورة عالمية غيرت شكل العالم الحالي: الكثير من الشباب أصبحوا مشاهير، إعلاميين،كتاب، موسيقيين مثلما تمنوا. أصبحت الفئات المهمشة قادرة على التعبئة لمظاهرات تفكك بها أنظمة ديكتاتورية والأقليات المظطهدة أصبحت تتكلم عن وضعها وتوصل صوتها للمسؤولين وللمنظمات الدولية وتفضح حقائق تسكت عنها وسائل الاعلام الحكومية وهذا ما نتج عنه "صحافة المواطن" المعروف أنه إعلام ديموقراطي، لهذا توجد تسمية أخرى لمواقع التواصل الاجتماعي وهي "الاعلام الاجتماعي". جميع هذه الأمور إيجابية بل وممتازة لكن ما أود التركيز عليه في تدوينتي هو حياة التظاهر والاستهلاك في هذه المواقع.

    طبعا هذه المواقع ليست المسؤولة بل التربية المتخلفة التي نتلقاها منذ الطفولة، بحيث لا نعيش من أجل أنفسنا بل من أجل الآخرين ونبقى عبيداً لنظرة الغير وأحكامهم عنا. لذا فهي موجودة قبل ابتكار الفيسبوك وتويتر وما شابهها من مواقع. لكن في عصرنا أصبح لحياة التظاهر وجود أكثر قوة وخطورة بحيث لم يعد الناس يلاحظونها وكأنها أمر له وجود طبيعي. 
من جهة كان لدمقرطة حرية التعبير سلبيات كثيرة من أبرزها أن هذه المواقع أصبحت أداة لترويج الجهل والغباء، انتحال الشخصات، النصب والاحتيال، الجرائم الالكترونية، التنمر الالكتروني، تشويه سمعة الشخصيات العامة والأمثلة كثيرة ومتعددة. للأسف الشديد، بدقيقة واحدة يمكن لرجل دين يكفر فئات واسعة من الشعب وينشر سمومه بسهولة ويحرض مثلاً ضد الأقليات الدينية والجنسية والعرقية ورغم أن أصحاب هذه المواقع الحداثية لم يكن هذا هدفهم إلا أن هذه المواقع أصبحت أدوات في يد الجميع من بينهم الدواعش وطبعاً الأغبياء والتافهين وفي هذا السياق أتذكر مقولة الفيلسوف الايطالي أمبرتو إيكو الذي صرح لأحد الجرائد أن أدوات مثل فيسبوك وتويتر أنتجت لنا ثورة البلهاء فهي تمنح حق الكلام للجميع. 


    شخصياً أستخدم هذه المواقع بشكل يومي وللأسف أترث بي بطريقة سلبية: جعلت تواصلي العائلي ومع الأصدقاء أقل بالاضافة للتحصيل الدراسي وتقليل ساعات النوم والقراءة. لكن لحسن حظي لم تؤثر بي لدرجة أن ألعب دور زائف لا يمثلي في الحياة الافتراضية رغم أنني أعيش أسابيع وشهوراً في الويب ورغم أنه لدي حساب مستعارة أو آخر دون اسم.

    للأسف الشديد "حياة التظاهر" انتقلت للإنترنيت بشكل أسوء وأخطر بحيث يقوم الناس بلعب أدوار اجتماعية لا تعبر عنهم ولا تعكس حقيقيتهم. انتشر الكذب والنفاق بشكل أكثر تنظيماً. في عصرنا لم يعد الشخص يأكل وجبته إلا بعد أن يصورها في كل مرة حتى يشاركها في تطبيق الإنستغرام وكأنه واجب يومي. أما مشتريات الملابس والأحذية فأصبحت تعرض في البث المباشر أمام مئات الناس ليس من طرف مدونين في الموضة أو الجمال لكن أيضاً بين أشخاص عاديين. في رمضان تنتشر صور الموائد والمأكولات وفي عيد الأضحى أصبح ذبح الخرفان يتم أمام الكاميرات. منشوراتهم عادةً ما تكون انتقائية حسب ما يريدون توصيله للآخرين، وجبة فاصوليا أو بيض لا تتم مشاركتها على حائط الفيسبوك لكن وجبة في مطعم ماكدونالدز لا يمكن التهامها إلا بعد القيام بمجموعة صور بغرض نشرها وكأنها لوحة فنية أو كتاب يستحق المشاركة. وهنا يطرح السؤال فهل مشاركة صور الطعام هي من أجل مشاركة اللحظة وتسجيل الذكريات في يوميات الفيسبوك أم لمجرد التظاهر والتباهي بأنك تأكل في المكان الفلاني أو تشتري ملابس من الماركة العالمية الفلانية.... أما من يدمن على مشاهدة الأفلام الاباحية فلا يمكن أبداً أن ينشر حالة "أشاهد حالياً" ولكن إن شاهد مسلسل تجاري يشاهده الملايين حول العالم تجده يستخدم هذه الخاصية وإن لم يشاهد جميع مواسم المسلسل لمجرد أن يكون على الموضة. لم يعد للناس شخصية في الحياة الافتراضية. تحولوا لأرقام وتابعين. 

الطريقة التي يشارك بها الناس لحظاتهم وحياتهم على مواقع التواصل خاضعة للطريقة التي يريد بها الشخص أن يراه الناس بها. الناس عبيد للسمعة الاجتماعية ولنظرة الآخرين وأحكامهم. مشاركة اللحظات والذكريات ليست عفوية وصادقة بل خاضعة لحياة التظاهر وبالتالي فهي مظهر من مظاهر النفاق. لقد اختلفت الحالات وتعددت فهناك من يضحك وهناك من يثير الاستغراب، لدرجة أن البعض يكتب أنه في إجازة في طوكيو وهو في مدينته التي ولد فيها، يمارس العادة السرية في فراشه والمضحك هو الطريقة التي يعبر بها الناس عن معتقداتهم الدينية بحيث أصبح الفيسبوك مسجداً مليئاً بالأدعية والمنشورات المتناقضة ثم يتحول لحمام شعبي تنتشر فيه الشائعات والمعلومات المغلوطة [ البارح ينشر صورة ممثلة إباحية عليه اقتباس ساخر واليوم ينشر دعاء لله وفي الغد يشارك فضيحة مغنية شهيرة سقط فستانها وهذا نتج عنه ظهور جزء من أثدائها.] أليس هذا مثيراً للسخرية.
ألا تكفي الازدواجيات الأخلاقية التي نعيش فيها في واقعنا، أصبح الواقع الافتراضي مجرد امتداد لواقعنا الحقيقي عوض أن يكون بديل مختلف.




النزعة الاستهلاكية المادية أصبحت أكثر تنظيما وتنتشر حتى في أوساط الفقراء ومحدودي الدخل. الأطفال أصبحوا يهتمون للماركات ويحفظون أسماء العلامات التجارية رغم أنهم لم يتعلموا حتى أبجديات الكتابة. ماذا يريد الناس أن يحققوا بهذا الاستهلاك اللامنطقي للمنتوجات. الدول المصنعة والمتطورة علمياً وتكنولوجيا تتنافس فيما بينها في الابتكار والاختراع ودعم مواهب شابة وشعوبنا المتخلفة تتنافس في الاستهلاك والمحسوبية والزبونية رغم أنها لا تصدر سوى ثرواتها تحت الأرضية. 

الكثير من الكماليات التي لم يكن لها دور رئيسي ومهم في حياتنا أصبحت اليوم من الأساسيات التي لا غنى عنها. وحتى الفتيات اللواتي لم يتجاوزن 10 سنوات أصبحت أظفارهن مطلية بالأحمر والأزرق ويتابعن مدونات الموضة والجمال ويذرفن الدموع على ألعاب الفيديو والهواتف الذكية. الشباب كل غرضهم ادخار المال من أجل شراء الطعام ومصاريف النادي الرياضي لتقوية العضلات وإبرازها أكثر أما الفتيات فكل غرضهن تبادل مقادير الوصفات في قنوات اليوتيوب من أجل تكبير المؤخرة ثم اصطياد عريس في أحد مجموعات الزواج. ولا أنسى أغنياء الشعوب الذين يستعرضون مشترياتهم ومجوهراتهم في الشبكات الاجتماعية بشكل غير مبرر وكأن هذه الحجارة هي التي سوف تعزز ثقتهم بأنفسهم. محدثوا النعمة هم فقط من يستعرضون الطعام والملابس وهذا بسبب عقدة النقص أما من له نعمة العقل والفكر فلا يستعرض أملاكه للآخرين من أجل التظاهر والتفاخر.

قيمتك يا عزيزتي لا تتحدد بجودة ملابسك بل بتطور فكرك ولا برقي مستواك المادي بل برقي أخلاقك وسلوكك مع الناس. لذا تخلصي من عروضك التافهة لجلب العرسان ومنشوراتك المبتذلة الغبية. 
قيمتك يا عزيزي ليست في عضلاتك البارزة ولا في مشترياتك ولا في منشوراتك التمثيلية. لا تجعل أشيائك تملكك فأنت من تشتريها. لا تجعل مواقع التواصل الاجتماعي تفقدك شخصيتك أكثر مما فعل المجتمع بك.
كن أنت. كوني أنت.



No comments:

Post a Comment

تُسعدني مشاركتك و إضافتك في المدونة
أشكرك على تعليقك^_^